قبيل الانتخابات الرئاسية.. تونس تنتفض غضباً من تقييد الحريات وتوقيف المعارضين

قبيل الانتخابات الرئاسية.. تونس تنتفض غضباً من تقييد الحريات وتوقيف المعارضين

عشية انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية.. تونس تستعيد ذكريات ثورة الياسمين

إعلامية تونسية: الحراك الشعبي هو شرارة الانطلاق للضغط على النظام السياسي بفتح مجال العمل العام وإطلاق سراح المعتقلين

عضو المجلس الوطني التأسيسي: الاحتجاجات الحالية لم تجذب القطاعات الشعبية الجماهيرية وهي حبيسة الأطر النخبوية

 

بحراك شعبي لا يزال محدودا، تستعيد تونس ذكريات ثورة الياسمين قبيل شهر واحد على إجراء الانتخابات الرئاسية التي يسعى فيها الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد للترشح مجددا، وسط تصاعد انتقادات محلية ودولية بسبب تنامي القمع والقيود على الحريات.

وشهدت تونس تظاهرات حاشدة يوم الجمعة لا سيما من الشباب والنساء للاحتجاج على أوضاع الحريات في البلاد، إذ رفع المتظاهرون لافتات مدونا عليها عبارات "لن نسكت"، و"قيس سعيّد دكتاتور"، و"دولة البوليس انتهت"، و"ارحل ارحل سعيّد".

وتأتي هذه الموجة الغاضبة عشية انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية في تونس والتي تستمر لمدة 3 أسابيع، استعدادا لإجراء الانتخابات في 6 أكتوبر المقبل.

ومنذ فبراير 2023، تشهد تونس حملة توقيفات واسعة شملت إعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال وسياسيين، بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وعدد من قياداتها، على خلفية إجراءات استثنائية فرضها الرئيس قيس سعيد منذ 25 يوليو 2021.

وشملت هذه الإجراءات الاستثنائية حل البرلمان المنتخب السابق، والمجلس الأعلى للقضاء المنتخب أيضا، وإقالة رئيس الحكومة السابقة، قبل عام على إقرار دستور جديد تحول فيه النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي يتمتع فيه بصلاحيات واسعة.

وعلى مدى 3 سنوات، ظلت الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية في تونس تغلي فوق صفيح ساخن، على وقع فرض قيود مشددة على العمل العام، وملاحقة النشطاء السياسيين والمعارضين في البلاد.

ووفق الخبراء والمحللين، تدق الاحتجاجات الشعبية ناقوس الخطر في مواجهة السياسات القمعية التي ارتكبتها السلطة التونسية، ما يستدعي فتح مجال العمل العام وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية، لا سيما تحت ضغوط اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

وعادة ما يتهم الرئيس قيس سعيد، والذي كان خبير دستوريا قبل توليه الرئاسة التونسية، المعارضين لسياساته بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء الأزمات في البلاد"، ما أثار انتقادات محلية ودولية بشأن ما وصفوه بـ"تخوين المعارضة". 

مطالب شعبية 

وتركزت مطالب المحتجين المشاركين في التظاهرات على إطلاق الحريات العامة والفردية، وإلغاء القوانين القمعية، وضمان حق الجميع في حرية التعبير والرأي وإطلاق سراح المعتقلين وتوسيع مجال العمل العام المدني والسياسي.

وبحسب المراقبين، تعد هذه الاحتجاجات والمظاهرات هي الأكبر منذ عام 2023 ضد الرئيس التونسي، لا سيما أن شعاراتها طالبت بإسقاط النظام، مثل "تسقط الديكتاتورية"، و"فساد المنظومة من قيس إلى الحكومة"، و"جاك الدور جاك الدور يا قيس الديكتاتور".

ويزيد من وطأة الموقف، إعلان نقابة المحامين التونسية الانضمام إلى قاطرة الاحتجاجات بدءا من يوم الاثنين المقبل، من خلال رفع الشارة الحمراء (ترمز للاحتجاجات) وتنظيم وقفات أمام قصر العدالة (معلم أثري) ومقار جميع المحاكم الابتدائية.

وأعلنت النقابة في بيان، امتناع المحامين عن حضور جلسات التقاضي لمدة أسبوع بدءا من 16 سبتمبر الجاري، للمطالبة بإصلاح مرفق العدالة ووقف الانتهاكات الجسيمة التي يواجهها المحامون أثناء أداء مهامهم، والتي قد تصل إلى العقوبات الجزائية والملاحقات الأمنية.

وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، تبني مبدأ الإضراب العام في القطاع العام والوظيفة العمومية من دون تحديد الموعد، للمطالبة بـ"حق التفاوض وفتح الحوار ‏الاجتماعي واحترام الحق النقابي وتطبيق الاتفاقيات الدولية".

ويكتسب الاتحاد العام للشغل، مكانة خاصة في تونس، حيث كان أحد قادة الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد عام 2011، فيما اتسمت علاقته بالرئيس الحالي بعدم التوافق والاضطرابات.

وبالتزامن طالبت حركة "النهضة" التونسية، الموقوف زعيمها راشد الغنوشي، سلطات البلاد بالإفراج عن 80 شخصا من أعضائها، قالت إنهم "تم اعتقالهم منذ مطلع الأسبوع الجاري".

وكشفت الحركة في بيان أن "السلطات الأمنية أقدمت على إيقاف حوالي 80 من مناضلي ومناضلات النهضة، من المعنيّين بملف العدالة الانتقالية، في حملة غير مسبوقة من المداهمات، بانتهاك أبسط الحقوق التي يكفلها القانون".

وانتقدت حركة النهضة بشدة هذا التنكيل المتعمد الذي يتعرض له الموقوفون، وطالبت السلطات التونسية باحترام حقوقهم والإفراج عنهم فورا.

وبحسب منظمات حقوقية بتونس، يقبع ما لا يقل عن 20 معارضاً في السجن بتونس بمن فيهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، إضافة إلى وزراء ونواب سابقين ورجال أعمال، بتهم مختلفة بما في ذلك "التآمر على أمن الدولة".

وانتقلت تونس وفق الدستور الجديد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي المطلق، كما تم تأسيس نظام جديد يقوم على مجلسين بسلطات محدودة وهما مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للأقاليم والمقاطعات، وتعتبر قوى سياسية هذه الإجراءات "تكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.

شتاء ساخن

ومن المقرر أن تشهد تونس شتاءً ساخنًا بإجراء الانتخابات الرئاسية في أكتوبر المقبل، وسط تصاعد الاحتجاجات المعارضة، حيث يتنافس 3 مرشحين وهم العياشي زمال أمين عام حركة "عازمون"، وزهير المغزاوي أمين عام حركة "الشعب"، والرئيس الحالي قيس سعيد.

وفي أغسطس الماضي، أعلنت هيئة الانتخابات التونسية (رسمية) أنها وافقت مبدئيا على المرشحين الرئاسيين الثلاثة، بينما رفضت 14 مرشحا آخرين لعدم توفر الضمانات المالية المطلوبة، أو عدم استيفاء معايير الجنسية، وقدم العديد من المرشحين طعونا أمام المحكمة الإدارية في البلاد.

واليوم السبت، أمرت المحكمة الإدارية في تونس، هيئة الانتخابات بإعادة منذر الزنايدي إلى سباق الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل، محذرة من أن رفض ذلك قد يؤدي إلى مسار انتخابي غير قانوني.

وأدين ثمانية مرشحين محتملين على الأقل، وحُكم عليهم بالسجن أو المنع مدى الحياة من الترشح للانتخابات، بينما تعرّض آخرون للمضايقة والترهيب، بحسب منظمات دولية.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش (غير حكومية، مقرها نيويورك) إن "السلطات التونسية أبعدت من السباق جميع المنافسين الجديين من السباق، ما سيجعل هذا التصويت مجرد إجراء شكلي".

وأوضحت المنظمة الدولية في بيان سابق، أن "السلطات التونسية حاكمت أو أدانت أو سجنت على الأقل ثمانية مرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية ووافقت هيئة الانتخابات على ثلاثة مرشحين فقط، منهم الرئيس الحالي قيس سعيّد".

وحذرت السلطات التونسية من إجراء انتخابات رئاسية وسط قمع متزايد للمعارضة وحرية التعبير، داعية إلى ضرورة توقف الملاحقات القضائية المسيّسة والسماح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وأعربت دول أجنبية، بينها فرنسا والولايات المتحدة، عن قلقها إزاء موجة التوقيفات، غير أن الرئيس قيس سعيد اعتبر ذلك "تدخلا سافرا" في الشؤون الداخلية للبلاد، وكلف وزارة الخارجية استدعاء سفراء هذه الدول في بلاده للتعبير عن رفض هذه التصريحات.

وفي يونيو الماضي، دعت 12 منظمة دفاعية دولية، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس واتش، في بيان مشترك، السلطات التونسية إلى وقف حملتها المستمرة ضد الحق في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، واحترام حقوق الإنسان.

وأوضح البيان المشترك أنه "منذ استيلاء الرئيس سعيد على السلطة في يوليو 2021، قامت السلطات التونسية عمدا بتفكيك الحريات الأساسية، التي يحميها القانون الدولي، من خلال سجن المعارضين السياسيين والمنتقدين المفترضين؛ ومضايقة وترهيب واحتجاز الصحفيين؛ واعتقال وسجن المحامين؛ وتكثيف انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء. وفي مايو الماضي، تصاعدت هذه الاعتداءات بشكل ملحوظ".

رهانات تقدمية

قالت الإعلامية التونسية خولة بوكريم، رئيسة تحرير موقع "تونس ميديا"، إن الحراك الشعبي جاء استجابة لدعوة "شبكة الحقوق والحريات" والتي تضم طيفا واسعا من منظمات مجتمع مدني وأحزاب معارضة مدنية غير إسلامية، وذلك احتجاجا على تصاعد انتهاكات نظام الرئيس قيس سعيد ضد الحقوق والحريات.

وأوضحت بوكريم، في تصريح لـ"جسور بوست" أن السلطات التونسية دأبت على ارتكاب انتهاكات وخروقات حقوقية أبرزها توقيف المعارضين والمحامين والصحفيين على ذمة قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، إضافة إلى تضييق مجال العمل العام وشيوع مناخ من القمع والاستبداد السياسي في البلاد.

وأضافت: "الحراك الشعبي الحالي حقوقي لكنه بغطاء سياسي، خاصة وأن المسار الانتخابي الرئاسي شهد عدة انتهاكات من قبل هيئة الانتخابات والتي قامت بتضييق الطريق على عدة مرشحين مستقلين، في مقابل تمهيد مسار واسع لفوز الرئيس الحالي قيس سعيد لتكون انتخابات شكلية".

وتابعت: "هيئة الانتخابات لم تحترم قرارات المحكمة الإدارية وهي أعلى جهة قضائية بتونس، وقامت بإقصاء المرشحين الذين لهم حظوظ في الفوز بالرئاسيات، ما أدى إلى تردي وضع المسار الانتخابي وغلبة الاستبداد على ممارسة الحقوق المدنية والسياسية".

توقعت “بوكريم” أن "يكون هذا الحراك الشعبي هو شرارة الانطلاق للضغط على النظام السياسي بفتح مجال العمل العام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والتوقف عن التضييق على المحامين والصحفيين والقضاة".

وأكدت الإعلامية التونسية أن الرهان الآن متمثل في قدرة التيارات الديمقراطية التقدمية في الحفاظ على هذا الزخم الشعبي المعارض، لا سيما وأن التيار الإسلامي في أضعف حالاته عقب حملة التوقيفات الواسعة التي يتعرض لها أعضاؤه.

ومن جانبه اعتبر عضو المجلس الوطني التأسيسي التونسي 2011-2014 عبدالرؤوف العيادي، أن الاحتجاجات الحالية تتسم بالمحدودية والنخبوية، حيث تطالب باستعادة مناخ الحريات في ما يتعلق بالتعبير والنشاط والتجمع والتنظيم، لا سيما عقب 3 سنوات على تضييق غير مسبوق لمجال العمل العام في تونس.

وأوضح العيادي في تصريحه لـ"جسور بوست" أن هذه الاحتجاجات استهدفت بشكل مباشر الانتخابات الرئاسية التي ستجري الشهر المقبل، وهي قضية تتعلق بالحقوق الديمقراطية ولا تجذب القطاعات الشعبية الجماهيرية بل تظل حبيسة الأطر النخبوية.

وقلل السياسي التونسي من مردود هذه الاحتجاجات أو قدرتها على إحداث تغيرات جذرية سواء في الداخل التونسي أو الخارج العربي، لا سيما في ظل غلبة وطغيان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على الضمير العربي والعالمي. 

وتصدرت الاحتجاجات التونسية والرئيس قيس سعيد منصات التواصل الاجتماعي العربية، إذ باتت الأعلى تداولا في ظل نشر الصور والمقاطع المصورة لنوبة الغضب التي اجتاحت البلد العربي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية